الحمد لله المحمود بكل لسان المعبود في كل مكان الذي لا يشغله شأن عن شأن سبحانه جل عن الأشباه والأنداد وتنزه عن الصاحبة الأولاد .
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام .
وبعد
كم من الوقت يستغرق الإنسان في بناء بيتٍ في الدنيا ؟ وكم من المال الكثير سينفق على البناء و التشييد؟ وكم من الجهد والتفكير سيبذل في التخطيط والتعديل؟ وكم و كم من الأمور سوف تتم ليخرج هذا القصر إلى حيز الوجود؟
سبحان الله هذا بيتٌ بناؤه من تراب و أسمنت وحديد و هو إلى الزوال قريب، وأعجب من ذلك أنه تجري تحته مجاري و قاذورات البشر، وبداخله دورات للمياه، والذي يملكه و يسكنه لا يكاد يمر عليه يوم إلا و يحصل له و به نكد و تكدير، بما جبلت عليه هذه الدنيا الفانية.
لكنك أخي المسلم تستطيع أن تحصل على بيتٍ لا تعتريه العوارض، ولا تُكدِّره المُكدِّرات، ولا يُكلٍّف مالاً، ولا سنوات، وهو باق على نظرته و جماله، وأنسه دائم ما دامت السموات والأرض.
بناؤه يسر الناظرين، لبنة من ذهب و لبنة من فضه، ملاطه المسك, و حصباؤه اللؤلؤ, و حشيشه الزعفران, و الأنيس فيه حور مقصورات في الخيام كأمثال اللؤلؤ المكنون لو أطلت امرأة من نساء الجنة على هذه الدنيا لملأت الدنيا نورا و عطرا و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها، نعيم مقيم و قرة عين لا تنقطع أهلها يأكلون و يشربون و يحيون و لا يموتون و يزورون ربهم و يستمعون إلى خطابه و يسعدون برؤية وجهه الكريم قال الله - تعالى –عنهم: {وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة}
فإن سألت يا عبد الله: كيف أحصل على هذا البيت ,وما هي الأفعال و الأقوال ، التي بها تُنال الآمال، ببيوت وارفة الظلال في جنة جلّت عن مثل ومثال، وتعالت عن حيز الفكر والخيال، بإذن الله الكبير المتعال .... وإليك هذه الأعمال.
1- الإيمان بالله تعالى : فإن من عاش مؤمناً ومات مؤمناً كان له خيمةٌ في الجنة بإذن الله ، ولم لا؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً ، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً)) [متفق عليه].
2- الإيمان بالله والعمل الصالح : قال الله تعالى : {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ : 37] ، قال ابن كثير في تفسير (3/714) : ((أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأسٍ وخوف وآذى ومن كل شر يُحذر منه)).
3- الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله : قال الله جل في علاه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصف : 10 – 12]
* قال ابن كثير في تفسيره (4/464) : ((أي إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه غفرت لكم الزلات، وأدخلتكم الجنات والمساكن الطيبات والدرجات العاليات)).
4- الإيمان بالله وتصديق المرسلين : وقد قال النبي الآمين: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال : بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) [متفق عليه].
5-من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وجاهد : قال صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و هاجر ببيت في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة و أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت ) عن فضالة بن عبيد . قال الألباني ( صحيح ) صحيح الجامع [1 / 235 ]
6- تقوى الله : قال تعالى : {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر : 20]
* قال ابن كثير في تفسيره (4/64) : ((أي مساكن عالية طباق بعضها فوق بعض)).
7- سؤال الشهادة بصدق : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)) [مسلم]
* قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (1/285) : ((فإذا سأل الإنسان ربه وقال : اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك – ولا تكون الشهادة إلا بالقتال لتكون كلمة الله هي العليا – فإن الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء وإن مات في فراشه)).
فكيف يزهد في هذا الأجر مسلم ، وإن الدعاء ليستغرق نحو 5 ثوان ؟!
8- بناء مسجد لله ولو كمفحص قطاة : ولم لا؟! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من بني لله مسجداً ولو كمفحص قطاة أو أصغر بني الله له بيتاً في الجنة)) [صحيح الجامع : 6128] (ومفحص قطاة: يعني الحفرة التي تضع فيها القطاة بيضها، والقطاة نوع من اليمام.
ويدخل في الأجر من تصدَّق ولو بلبنة أو بثمنها لبناء بيت الله ، والله أعلم.
9- الغدو إلى المسجد والرواح : لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح)). [متفق عليه]
* وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/183) : والنُزُل (بضم النون والزاي): المكان الذي يُهيأ للنزول فيه، (وبسكون الزاي): ما يُهيأ للقادم من الضيافة ونحوها.
* وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (3/202) : ((وظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح، سواءً غدا للصلاة أو لطلب علم أو لغير ذلك من مقاصد الخير أن الله يكتب له في الجنة نزلاً)).
10- سدُّ فُرجة في الصلاة : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سدَّ فُرجةَّ بني اللهُ له بيتاً في الجنة ورفعه بها درجة)) [الصحيحة : 1892]
فكيف يزهد في هذا الأجر من الإخوان وإن سد الفرجة ليستغرق نحو 3 ثوان ؟!
11- صلاة اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السُنة بني الله له بيتاً في الجنة : أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر)). [صحيح الجامع : 6183]
وعن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس قال : حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسارُّ إليه ، قال : سمعتُ أم حبيبة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول : ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيتٌ في الجنة)) [مسلم]
قالت أم حبيبة : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عنبسة : فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.
وقال عمرو بن أوس : ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة.
وقال النعمان بن سالم : ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
فكيف يزهد أحدٌ في أجر هذه الطاعة ، وإنها لتستغرق نحو نصف ساعة؟!
12- صلاة الضحى أربعاً وقبل الظهر أربعاً : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الضحى أربعاً وقبل الأولى أربعاً بني له بيتٌ في الجنة)) [الصحيحة : 2349]
* قال الألباني : والمراد بالأولى : صلاة الظهر فيما يبدو لي ، والله أعلم.
13- قراءة سورة الإخلاص عشر مرات : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ (قل هو الله أحد) حتى يختمها عشر مرات بني الله له قصراً في الجنة)).
فقال عمر رضي الله عنه: إذن نستكثر قصوراً يا رسول الله؟ فقال : ((الله أكثر وأطيب)) [الصحيحة : 2/137]
فكيف يزهدُ أحدٌ في هذا الأجر الفائق، وإن قراءتها عشراً لتستغرق نحو 3 دقائق؟!
14 – طيب الكلام ، وإطعام الطعام ، وإدامة الصيام، وصلاة القيام:
وقد قال سيد الأنام صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ فقال : لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام)).
وطيب الكلام معروف، وهو من حسن الخلق، وإطعام الطعام عام ويشمل إطعام الرجل زوجه وبنيه، وآبائه وإخوته وأقربائه وأضيافه وجيرانه، وإطعام اليتامى والمساكين والفقراء والمحتاجين، ... الخ، وإدامة الصيام معروفة، وصلاة القيام أقلها ركعة فلا يبخلن أحدكم على نفسه ولو بركعة يوتر بها، ولو بعد العشاء وكفاه قول سيد الأنبياء : ((إن الله وترٌ يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن)) [صحيح الجامع : 3860]
فمن يشترى الدار في الفردوس يعمرها *** بركعة في ظلام الليل يحييها
15 – ترك المراء وترك الكذب وحسن الخلق:: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وبيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)). [صحيح أبي داود : 4015]
(والزعيم : هو الضامن، وربض الجنة : ما حولها، والمراء : هو الجدال)
16- الصبر على موت الولد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد)) [الصحيحة : 1408]
17 - عيادة مريض أو زيارة أخ في الله: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك وتبوّأت من الجنة منزلاً)). [صحيح الترمذي : 1633]
فكيف يزهد أحدٌ في هذه الطاعة، وإنها لتستغرق نحو رُبع ساعة؟!
18- دعاء السوق: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة وتحط عنه ألف ألف سيئة وبني له بيتاً في الجنة)). [صحيح الترمذي : 2726]
فهل ستنهض الأنفس المتوانية، لتنال بيتاً في جنة قطوفها دانية، بدعاء يستغرق نحو 15 ثانية؟
وأخيراً:
هذا ما تيسر جمعه فما أصبت فيه فمن فضل الله عز وجل وتوفيقه وله الحمد والشكر ، وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله العلي العظيم ، وأسال الله أن يجعلنا من التوابين المنيبين إليه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، والحمد لله رب العالمين.
أخوكم:الأنـ الإتحادي ــيق أرجو التثبيت